شكرا على متابعتكم خبر عن لغة القرآن والحفاظ على الهوية موضوعًا لخطبة الجمعة اليوم
الجمعة 06/ديسمبر/2024 – 09:23 ص
حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة اليوم 4 من جمادي الآخرة 1447 هـ، والموافق 7 من ديسمبر 2024م، بعنوان: لغة القرآن والحفاظ على الهوية.
وقالت وزارة الأوقاف، إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد بالاهتمام البالغ باللغة العربية وتنشئة الأجيال على إتقانها، ولفت نظر الجمهور إلى أن إتقان اللغة العربية هو الذي يحصن من الإرهاب ويفتح الفهم لخزائن أنوار القرآن الكريم ومعانيه الجليلة.
وأكدت الوزارة أن اختيار هذا الموضوع يأتي متزامنًا مع انطلاق فعاليات المسابقة العالمية الحادية والثلاثين للقرآن الكريم، التي ستبدأ يوم السبت الموافق 7 من ديسمبر 2024، تأكيدًا لدور اللغة العربية بوصفها لغة القرآن الكريم وركيزة أساسية في الحفاظ على الهوية الإسلامية.
نص خطبة الجمعة اليوم
الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وبهجة قلوبنا وقرة أعيننا وتاج رؤوسنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، فشرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن اللغة العربية بداية بناء الحضارة، وصناعة الفكر، وارتقاء الذوق، والخوض في ميادين الجمال، اللغة العربية هي التي تقوي الفكر، اللغة العربية هي التي تعصم العقل من الزلل، اللغة العربية هي البداية لاستخراج ما في القرآن من معان مصلحة للعقل وللفكر وللذوق، اللغة العربية هي العصمة من الإلحاد والإرهاب معا، اللغة العربية أمن قومي، اللغة العربية حصن وبداية للتقدم والرقي، اللغة العربية ثقافة وجمال وحياة.
أيها الناس، اقدروا للغة القرآن قدرها، أليست اللغة العربية هي لغة الإعجاز التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون وعاء لكلامه العظيم، يقول ربنا سبحانه: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}، ويقول سبحانه: {وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا}، ويقول ربنا جل وعلا: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}.
أليست اللغة العربية هي التي تفتح خزائن فهم بيان القرآن وتبوح لنا بأسراره، وتكشف لنا درره، وترشدنا إلى مراميه؟! إن من يملك ناصية اللغة العربية وريث محمدي شريف، عرج به في معارج الوصول، اسألوا الرازي كيف انفتحت أمام عينيه مئات المسائل والأسرار والأنوار وهو يعيش مع سورة الفاتحة؟! واسألوا عبد القاهر الجرجاني كيف ابتكر نظرية النظم التي حيرت العقول والأفهام، وجعلت الدنيا تنحني إجلالا أمام لغة القرآن؟! بل غص في عقل الطاهر ابن عاشور وهو يتنقل بك بين بساتين اللغة ليحرر مقاصد الشريعة ومراميها في مزيج عبقري فريد، وقبلها كان السيوطي المزهر وقد جمعت له علوم اللغة ليخرج درته المصونة «الإتقان في علوم القرآن»، وقد امتلأت بأسرار اللغة وغيرها.
يا أيها المحمدي! ألم تدرك أن اللسان النبوي قد أوتي جوامع الكلم، ألم تر ما نحن فيه من النعيم المعجل ونحن نتتبع كل حرف بليغ، بل كل نفس شريف من أنفاس حضرته صلى الله عليه وسلم؟ إن حديثا نبويا واحدا كفيل بأن يرسم لوحة لغوية بيانية فريدة لا مثيل لها، حري بأن تستخرج منه اللآلئ والدرر، وتقوم عليه العلوم والمعارف.
عش بعقلك وقلبك مع أساطين اللغة، تأمل نتاجهم العلمي وتراثهم الفكري، لتبوح لك كتبهم بما في القرآن من أسرار وأنوار؛ ليدهش عقلك وقلبك، ولا تملك حينها إلا أن تقول: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}.
انظر مكتبات الدنيا وقد اكتظت بالملايين من مصنفات اللغة ومسائلها، عش مع فهارس ملايين المخطوطات في شتى العلوم لترى كيف قامت حضارة لا تنضب بركاتها، بل تدبر معي كيف يبنى الإنسان في حلقات الأزهر، وأعمدة جامع الزيتونة، ودروس مدرسة الفاتح، ثم انطلق إلى نواكشوط لتسمع ألفية ابن مالك في طرقاتها وقد تغنى وترنم بها الأطفال في مشهد عجيب، وكأني بك الآن تقول: يا خالق هذا الجمال سبحانك!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي حاملة التراث الإسلامي والفكر العربي، اللغة العربية هي هويتنا، هي العصمة لهويتنا، هي الحصن لهويتنا، هي تراثنا، هي تاريخ أجدادنا، هي حاضرنا، هي مستقبلنا المنشود، وإذا كانت كل أمة تعتز جدا بلغتها، وتغار عليها؛ لأنها رمز سيادتها، ودليل بقائها، وعنوان شخصيتها، وسبيل مجدها، فترى الإنجليز يعتزون جدا بالإنجليزية وينشرونها في كل العالم، والفرنسيون كذلك، واليابانيون كذلك، فكيف باللغة العربية التي اختارها الله عز وجل لتكون لغة القرآن العظيم، ومفتاح فهم سنة النبي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه؟!
إن العناية باللغة العربية ليست ترفا، وليست أمرا تكميليا أو زائدا، بل هي من صميم العلاج لأزماتنا المعاصرة من خلال بناء وعي واسع ومنطق فصيح، يفهم التراكيب اللغوية، ويدرك معاييرها؛ حتى يختار أعذب الألفاظ بما يستقيم به العقل من أفكار.
ويا أهل مصر المحروسة، أعيدوا للغة العربية عزها وشرفها، حصنوا عقول أولادكم بتعلم العربية، ابنوا وعيهم بلغة القرآن، ليكن هدفكم الوصول إلى الأجيال الجديدة في عالم السوشيال ميديا كيف يحبون اللغة، ويتعلقون بجمالياتها، استحضروا شخصية مصر من جديد، فإن الشخصية المصرية تلتمس هيبتها من لغتها الجميلة”.